الأحد، 25 أكتوبر 2009

₪ في بيت العرّافة ₪ 2 ₪




بعدما فُتِحَ الباب تحدّثت إليّ أم رويشد بصوت أموي حنون: تفضل ياوليدي, إدخل الله يستر عليك.

لا أخفيكم سراً إن قلت لكم أني أنتظر الخروج من بيت أم رويشد بفارغ الصبر.. قبل أن أدخل، فالأساطير التي نسجتها أنا ومن معي من أطفال الحارة غدت قابلة للحدوث و متوقعة أكثر من أي وقت مضى, انتظرت في ذلك الحوش "الفناء" المهترئ والذي لم يجرؤ أحد منّا يوم أن كنا صغاراً أن يضعه مرمى لأي لعبة شعبية أو غير شعبية بل إن أحد أبناء الحارة قد أصابه مرض نفسي جعله يعتزلنا حتى وقتنا الحاضر ولازلنا نعزو ذلك إلى مغامرته ودخوله بيت أم رويشد قفزاً من فوق الحائط (يعني من دون إحم ولا دستور ولا يالله يالله بتاعة أهل الشام)، وكان ذلك لانتشال الكرة التي رمى بها بعيداً حتى استقرت ليومين كاملين كان الجو فيها مملاً وكان لابد لأحد من إخراجها فمن كانوا يكبروننا لم يشتروا لنا يومًا كرةً رغم أنها من الأشياء القليلة التي قاومت التضخم وبقيت وستظل "أم عشر ريال" إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

كل تلك الأساطير (من المكنسة الطائرة والمرآة المتحدثة والبلورة السحرية وعصا إكسبكتو بترونس) تلاشت أو خبأتها أم رويشد في علّيتها التي كانت تحبس فيها من يتسكع إلى آخر الليل. قطع انتظاري في فنائها العامر صوتها وهي تطلب مني الدخول إلى "المقلّط" الذي عُلّق على بابه إعلانٌ مدفوع الثمن في أحد الجرائد المحلية كتب عليه بالنص (تعلن أم رويشد براءتها من شبكة الدعارة التي قبض عليها مؤخراً في البلد من قبل رجال الهيئة الأبطال, وهي إذ تعلن ذلك تتمنى التوفيق والسداد لهم وتستنكر هذا العمل الإجرامي وتعلن للجمهور عن توفر علاج شطوب الرجلين السحري كورنثيانزين وخصم 50% لحامل هذا الأعلان).

ما إن جلسنا حتى كشرت لي عن تلك الإبتسامة الصفراء وبصوت مرتعد قالت لي: عسى ماشر ياوليدي؟ وبدا لي حينها أن اتصالي بفوزية الدريع كان أصرف وبألف مرة خصوصاً وأنا أجلس على ما أعتقد بأنه البساط الطائر, تبادر إلى ذهني حينها أن أرد عليها بأني أحببت أن أمر عليك وأسأل عن حالك.. ونحو هذا الكلام، فالأرق لم يقتل أحداً من قبل، أقنع بالأرق.. وأنفذ بجلدي بأقل الخسائر لكن تذكر تلك الليالي الطويلة والتي جفا الكرى عينيّ فيها كان يلح عليّ بأنه لا مفرّ من ذكر المشكلة والبحث عن علاجها حتى لو في الصين.

- قلت لها: ياعمة, مشكلتي أني لا أستطيع النوم مباشرة بل أتقلب وأفكر وأهوجس حتى يظهر نور الصباح مما سبب فيّ صداع لازمني واضطراب في النوم لم أستطع بسببه قضاء مصالحي وأشغالي.
* ردت علي قائلة: مشكلتك سهلة وبسيطة غيّر فراشك. (لو سمعوا بها سليب هاي تلك اللحظة!).
- لكني غيرته أكثر من مرة؛ بل وغيّرت مطرح نومي حتى لم تبق حتة في بيتنا إلا وجربت النوم فيها.
* إممم.. طيب عندي لك خلطة تجوز لك ويزول شرك به بإذن الله.
- إن كان صيدك um roeished E 8,8 تراني جربته ولا نفع. (بغيت أطالب بتعويض ذيك اللحظة)
* طيب جرّبت تتفرج على القناة السعودية الأولى؟
- لا ماعليش كبرنا على هالسوالف.
* طيب, جرّبت الإشتراك بباقة المجد.
- لا يا أم رويشد شكلك مافهمتيني.
* وشرايك تقرأ مقالات أبو عبدالله غفر الله له؟! صدقني ما يمديك تخلص مقاله إلا وانت بسابع نومة.
- أنا ناقصه هو الثاني.

قطع حديثنا تلك اللحظة تنبيه رسالة على اللابتوب من موقع AMAZON.COM يفيد بسلّة مشتريات جديدة, ردت أم رويشد على الرسالة في برهة قصيرة وعادت تعرض لي بضاعتها المزجاة.

* جربت تصلي عند خطيب الجامع الغربي. تراه علاج هالسالفة كلّه.
- أم رويشد خليني أوضح لك النقطة زين أنا أبي أنام بالبيت مو بالمسجد.
* طيب يا وليدي ليش ماتسجل كم خطبة له وتسمعهن قبل النوم؟!
- ممتاز فكرة حلوة.. غِيره يا أم رويشد.
* غيره ياوليدي.. غيره.. إيييه.. وشرايك تشترك بدورة "كيف تكون جذاباً كالمغناطيس؟".
- لا !

طال الحديث بيني وبينها ولم أخرج حتى هذه اللحظة بنتيجة تريح ضميري الذي يرفض الإغلاق قبل النوم. أحياناً أشعر أني تسببت في مقتل أحدهم أو ترسيب آخر في مادتي أو فاتورة لم أسددها أو حتى شخصاً لم أبال به رغم إقباله عليّ أو لربما شغل بالي: كيف تعيش دافئاً في هذه الحياة؟ أو همي الذي تراكم عليّ في كثرة المرضى عندي في البيت وأنا أرقب الناس يغدون تعلوا البسمة محياهم ويروحون بمثل ما استقبلوا به من حفاوة وتكريم أوحتى من الذي قتل جون كينيدي؟

خرجت من عندها وأنا أحمل كل ماعرضته علي متاملاً في غدٍ يزيل به الله ماحل بي من ضيق وقلق وأرق، كل عام وأنتم بألف خير وعساكم من عواده.

ياصاحبي للوقت لا ضاق فزعه **وشلون لامن ضاق في فزعتك وقت
الموت واضح في اختناقه ونزعه **والنوم يفــرق عنه لانمت ثم فقت
وأنا من الضيقه أرى النفس جزعه**وأضحك مواجه ضيقتي لا تضايقت

(انتهى)


0 تركوا أثرا:

إرسال تعليق