الأحد، 25 أكتوبر 2009

[ مع النفس في غفلتها ][4]



من أراد أن يعالج نفسه من الغفلة التي أحاطت بنفسه واتجهت به إلى عالم دنيء مضطرب فوضوي، عليه أن يعلم و يعمل عدّة أمور:

1- أن يلوم نفسه، ولا يجلب التبرير لها بإلقاء الملامة على غيرها، على الزمان أو على الناس.. ونحو هذا، قال تعالى: (وَلآ أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ).

2- الجَنّة حُفت بالمكاره، طريقها ليس مفروشا بالورود والأكاليل، بل مفروش بالابتلاء، قال تعالى: (أحَسِبَ النّاسُ أنْ يُتْرَكُوا أنْ يَقُولُوا آمَنّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ) ويقول سبحانه: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنّةَ وَلَمّا يَأْتِكُم مّثَلُ الّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مّسّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضّرّآءُ وَزُلْزِلُواْ.. الآية).

3- الهداية تكون بعد المجاهدة، كيف يرجو الهداية والصلاح من استسلم للهوى، وركن إلى الشهوة، هذا وأمثاله نهاية أمرهم أنهم إذا نُصحوا أخذوا يرددون: الهدى من الله.. ادع لنا بالهدى.. الله يهدينا ! والله سبحانه وتعالى يقول: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ) ويقول سبحانه: (وَالّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنّهُمْ سُبُلَنَا).

هناك حقيقة يجب أن نعلمها، وننحتها في عقولنا نحتًا حتى نستحضرها قدر استطاعتنا، وهي من صميم عقيدتنا وإيماننا، ذكرها الإمام محمد بن عبد الوهاب -رحمة الله عليه- في الأصول الثلاثة: (أن الله خلقنا ورزقنا ولم يتركنا هملاً، بل أرسل إلينا رسولاً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار) الأمر بسيط جدا، لكن كثرة التبريرات وجلب الأوهام، والافتتان بطريقة عيش معينة في هذه الدنيا، تبرر لدى البعض رؤيته للحرام، وسماعه للمنهي ونحو ذلك (من أطاع الرسول دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار) كن مدنيا منفتحا.. لكن لا تعصي الله ورسوله، وإلا لن تلوم إلا نفسك، تهديد واضح وصريح، قال الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها؛ فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

العلاج بشكل عام هو تقوى الله -سبحانه وتعالى- إن واجهت أمرا محرما فاتركه، وإن واجهت أمرا واجبا فقم به، وإن واجهت أمرا فيه شبهة فدعه أخير لك، الأمر يسير على من يسره الله له.

لكن لابد من التفصيل في العلاج:

1- ترك الذنوب والمعاصي:
إن كنت تريد أن تعالج نفسك بحق.. فدع الذنوب والمعاصي، وجاهد نفسك على تركها، فهي الداء الحقيقي لقلبك، هي سبب فقدانك للخشوع في الصلاة، هي السبب في انتشار الخبث في أرجاء روحك، هي السبب في هجرك للقرآن ختما وتدبرا، هي السبب في كرهك لمجالس الذكر، هي السبب في فساد عالمك الذي تعيشه، هي السبب في تعاستك ومللك من عيشك الكئيب.. هي السبب !

التساهل في رؤية النساء بالجرائد وفي التلفاز، التساهل في سماع الموسيقى، الإصرار على بعض الصغائر، ولا صغيرة مع الإصرار، إصرار الشعوب والناس على بعض المعاصي والذنوب، حلق اللحية، إسبال الثياب، الغيبة.. آآآه من الغيبة، اللعن، الكذب، سماع الغناء والموسيقى، ورؤية المحرّم، وتأخير الصلوات والنوم المستمر عنها، كثرة الحركة في الصلاة.. وغيرها كثير، فانظر لحالك وحاسب نفسك، كم من ذنب أصررت عليه حتى صار عادة، تمر السنوات وأنت مستمر عليه، أليس هذا الكلام ثقيل على النفس.. ومؤلم، صدقوني.. هو ثقيل على كاتبه كذلك، والله المستعان.

2- استحضار يقين الموت والتعامل الإيجابي تجاه هذا القادم:
ببساطة سيأتي عليك يوم ترى فيها ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب تسترد روحك وأنت ترى، رآهم عمر بن عبد العزيز وهو في غرفته فقال: (إني أرى حضرة ما هم بجن ولا إنس) أو نحو هذا الكلام، لا يلزم أن تكون مريضا ليقبضوا روحك، أو قد حدث لك حادث، قد يفاجئك وأنت مع أصدقائك في قمة فرحك ولهوك، أو وأنت تلعب معهم (هل تذكرون عدد اللاعبين الذين ماتوا وهم يلعبون ويمرحون على الهواء مباشرة وتناقلته الفضائيات والانترنت والجوالات؟).. هل من معتبر؟! هل سألت نفسك كم بقي علي؟! ربما اسمك هو الثاني أو الثالث أو المائة في القائمة.. أو غدًا.. أو بعد دقائق !

يا لهول الفاجعة، تسقط جثة هامدة، وتنتزع من حياتك كلها، تنزع من جسدك ثيابك، ثم تقلب مغسولا لا حول لك ولا قوة، ثم تدفن في حفرة ضيقة، ما هو حالك في أول ليلة في القبر، البارحة كنت نائما بين أهلك في غرفتك على فراشك الوثير ووسادتك المريحة، وخلال ساعات توسد الثرى، في مكان ضيق.. ضيق.. فلن ترى أهلك ولا صحبك في دنياهم، ولو عدت لرددت: إن خير الزاد التقوى !

سينتهي كل شيء، ويأتي وقت الجد ( كتاب محفوظ.. وحسنات وسيئات.. وميزان.. وجنة أو نار) نعم.. الله غفور رحيم، لكنه شديد العقاب، يا لخيبة المتكئ على رحمة الله تعالى، ليجعل تلك الرحمة مبررا لمعاصيه وذنوبه.. يا خيبته.

3- وقتك هو رأس مالك:
أنت في تجارة، والوقت هو رأس مالك، وعملك هو نوع تجارتك.. تمر الساعات علينا، وتأكل الأيام أعمارنا، فلا يبقى لك مما مضى إلا عملك: (فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه). والمصيبة إذا ذهب من عمرك أكثر مما بقي، وما ذهب كان سيئًا وضائعًا في لهو وسخف... أسأل الله العفو والمغفرة.

4 - اذكر الله:
ذكرت أن الوقت هو رأس المال، فتعال أخي استثمر رأس مالك بخير الأعمال وأزكاها عند الله، وخير من إنفاق الملايين، بل وخير من الجهاد.. إنه ذكر الله تعالى، من أكبر النعم وأعظمها، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخير أعمالكم وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم، ويضربوا أعناقكم) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (ذكر الله عز وجل) فلماذا نمضي إلى أعمالنا، وتمضي علينا الأوقات ونحن صامتون؟! تجد الواحد منا يذهب من البيت إلى العمل وهو صامت -هذا إن لم يسلم من سماع الحرام أو نطقه-، لماذا لا يذكر الله -عز وجل-. إني أوصي نفسي وأخوتي بالاستغفار -وهو من الذكر-، بأن تردد دائمًا: (أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه) فمن قالها غفرت ذنوبه وإن فر من الزحف. كررها دائما، وجاهد نفسك على ذلك ففيها والله الخير الكثير، هذا وإن الاستغفار من أعظم الذكر، ولما سئل ابن تيمية رحمه الله أيهما أنفع للعبد الاستغفار أم التسبيح؟ أجاب: إذا كان الثوب نقيا فالبخور وماء الورد أنفع, وإن كان دنسا فالصابون والماء أنفع! ومن أعظم ما قيل في الاستغفار قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من أكثر من الاستغفار جعل الله عز وجل له من كل هم فرجاً ومن كل ضيق مخرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب".

أيها الأحبة ! أظن أن النقاط الماضية تكفي من أراد الحياة لقلبه وعزم على ذلك، وجماع الكلام أن تتقي الله وتجاهد نفسك على ذلك وتعلم بأن العمر هو رأس مالك، فارق المعاصي وحافظ على صلواتك الخمس وأكثر من الذكر والاستغفار، اعلم بأن الموت هو هادم دنياك، فإياك أن يهدم عليك آخرتك.. إياك !

وتذكروا: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ)

أسأل الله أن يحسن خاتمتنا، وأن يغفر ذنوبنا، وأن يصرف قلوبنا إلى طاعته، وأن لا يشغلنا إلا بما يرضيه -سبحانه- وأن يجعلنا ممن يدخلون الجنة بغير حساب، ورحم الله امرءًا ردد: آمين.. آمين !

وصلى الله على الحبيب وسلم.

0 تركوا أثرا:

إرسال تعليق