الأحد، 25 أكتوبر 2009

[ مع النفس في غفلتها ][2]




مسكينة من غفلت نفسه، وجمحت به إلى سبل الشهوات، ذكرت أن صاحب النفس الغافلة يكره الوحدة، ويتجنب الإنفراد بنفسه، إلا أنه -ورغما عنه- تأتي عليه ساعة، ربما تمتد -رغما عنه كذلك- إلى ساعات وربما أيام يرجع فيها العقل إلى رشده، لكنه كمن أحس بخطورة المرض بعد أمدٍ من الإهمال، وبعد أن تفشى المرض وانتشر في الجسم، فلا ينتج عن هذا الرجوع العقلي إلا الذهول.. والذهول فقط ! ربّما يبكي، لكن هذا البكاء ليس لتوبة وإنابة، وإنما يبكي وما في باله تغيير حاله، أيبكي توبة وقد قيّد بقيود الذنوب الماضية.. مع إصراره عليها ؟! هذا صعب عليه، حاله كحال المسلمين يبكون على هذا الذل الذي هم فيه، وأسباب النصر بأيديهم -بعون الله- (إن تنصروا الله ينصركم) لا تتغير الحال إلا بيد سيد الموقف (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).

ذل المعصية مختوم على جباه العصاة والغافلين من أمثالنا، يلحظ غافل النفس أن الدنيا اسودت في وجهه، وأن الناس قد تغيروا عليه، قيل: من أصلح ما بينه وبين الله -سبحانه وتعالى-، أصلح الله ما بينه وبين الناس.. قلت: ومن أفسد ما بينه وبين الله بالمعاصي والذنوب، ذل أمام الناس وفسد ما بينه وبينهم، (ومن يُهِن الله فما له من مكرم) و"جعل الذل والصغار على من خالف أمري" رواه أحمد. وقد ذكر عن أحد السلف أنه قال: إني لأعصي الله فأعرف ذلك في خلق امرأتي ودابتي.

قلت: بل يتعدى الأمر إلى فساد الحياة كلها، والشعور بالوحشة والضيق، يا للمسكين.. يمشي بين الناس يسأل نفسه: كيف يضحكون؟! كيف حصلوا على السعادة وراحة البال؟! كيف طابت أنفسهم فرضيت؟! كيف.. كيف لا ينتحرون؟! يا للعجب.. انظروا مما يعجب ! من الغريب عنده أن يأتي عليه يوم وهو سعيد مرتاح البال؛ لأنه اعتاد الكآبة وانعدام الأنس و الضنك.. نعم الضنك: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا). لقد أفسد بحماقة اقترافه للمعاصي وإصراره عليها حياته ونفسه (وقد خاب من دسّاها) قال ابن القيم -رحمة الله عليه-: قد خسر من أخفاها وحقرها وصغرها بمعصية الله.

ولماذا لا يخيب وقد خسر السعادة الروحانية، حتى المسمى تبدل، من المؤمن إلى الفاسق، ومن طالب علم إلى طالب شهوة (بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان) سبحان الله ! رجل أحبه الله لعبادته وتقواه فأحبه جبريل والناس، كيف يرضى الكره له بعد المحبة؟! باعه بشهوة أو حتى بطلب الراحة.. آآه من طلب الراحة المزعومة.

إن طاعة الله وما يقتضي العمل لها من ترك للشهوات، والمجاهدة في الطاعات كطلب العلم وقراءة القرآن وأداء الصلوات وغيرها محفوفة بالمكاره، يا لصعوبة ترك الدش والغيبة، وقراءة القرآن وطلب العلم.. أليس كذلك؟! هذا خطاب الشيطان لنا، إلى أن يأتي يوم يزعم فيه غافل النفس أنه ارتضى بما اكتسبه وكسبه -كما يزعم- وحان الوقت الآن ليرتاح ! والراحة عنده بالتقليل من أعمال الخير والطاعة، و (الانفتاح !) على المعاصي.

يا غافل النفس ! ما الراحة إلا في الجنة، ذكر هذا إمامنا أحمد بن حنبل حين سُئل: متى الراحة؟! فأي راحة تزعمها يا مسكين؟! أراحة باقتراف المعصية والإصرار عليها، وتبديل نمط حياتك لتسير حيث سار بك الهوى وقادتك الشهوة، فما موقفك إذًا حان وقت رحيلك، وانتهت أيامك، وانقضى عمرك وأنت على (راحتك)؟!

أي خاتمة هذه ؟!!

ربنا اغفر لنا ذنوبنا وثبت أقدامنا، ربنا أفرغ علينا صبرا ولا تجعلنا من الغافلين، ربنا أعنا على ذكرك وعلى شكرك وعلى حُسن عبادتك.

0 تركوا أثرا:

إرسال تعليق