الأحد، 25 أكتوبر 2009

[ بين منطق ابن تيمية ووسائل الأعداء الجدد ! ]



جميلة هي الصُّدف، وقع في مسمعي كلام قاله أحد الأساتذة الفضلاء، في جلسة مباركة تدور حول عدة مواضيع من ضمنها الوسائل الجديدة التي ولى أعداء الثوابت الدينية والأخلاقية وجهتهم إليها، والتي يجب أن يزاحم فيها أهل الفضيلة أولئك الأشرار في استغلال هذه الوسائل بما فيه الخير والعفة والنظافة.

مع الأسف -وكالعادة- سبقونا أولئك المفسدين أشواطا في استغلال تلك الأساليب الحديثة -في تأثيرها على الأقل-، كما أنهم قد سبقونا مرات في استغلال أساليب عتيقة، فاستطار -حين استغلوها جيدا- شرَرُ شرِّهم، وتسارع إلى قلوب الناس سريان بعض أهدافهم، وعمّ الأنام خبرهم، وانتشرت -لجودة استغلالهم لتلك الأساليب، وحب الناس لها- عقائدهم وأفكارهم؛ فشملنا -لذلك- ضرَرُهُم.

كنت أرغب منذ مدة أن أكتب عن هذا الموضوع المهم، بداية من كلام ذلك الأستاذ الفاضل، ومرورا بمقال قرأته لأحد كتاب الساحة العربية، وهو الفاضل صخرة الخلاص، ومقاله هو (شيفرة دافنشي.. والسحر الإسلامي المفقود !)، ونهاية بـ.. ! لم أجد تلك النهاية التي تدفعني خطوة أخرى إلى الأمام لكتابة هذا المقال، فدفنت رغبتي بكتابته، كما دفنت عشرات الأفكار والعناوين مرات كثيرة، إلى أن عدت قبل مدّة إلى كتاب رائع جميل، روحاني صافٍ كالثلج بردًا وسلاما على قلوب قارئيه، مؤلفه هو الداعية الأديب والمفكر محمد أحمد الراشد وفقه الله تعالى، وكتابه هو (إحياء فقه الدعوة (1) - المُنطلق).. أقول: عدت إلى هذا الكتاب شوقًا لقراءة تلك المُقدِّمة الرائعة التي افتتح بها المؤلف كتابه، من أجمل ما قرأت حقيقة، يبين فيها منهجه وأسلوبه وهدفه وتوثيقه بطريقة لطيفة وقريبة إلى القلب ومقنعة جدا، قد يخالفني البعض حولها ويرى أنها مقدمة عادية، لكنها جميلة جدا في نظري، وأجد متعة كبيرة حين قراءتها، المهم.. قرأتها حتى وصلت إلى جزءٍ كان هو (النهاية) التي تدفعني خطوة أخرى لكتابة هذا المقال، وتأخذ بيدي إلى ما كنت أريد الوصول إليه، قلت لكم قبل أسطر: رغبت بكتابة هذا الموضوع (بداية) بكلام أحد أساتذتنا الفضـلاء، و(مرورًا) بمقال صخرة الخـلاص، وبحمد الله أقول: و(نهاية) بهذا الكلام الذي أنقـله لكم من كـتاب (المنطلق) لمحمد أحمد الراشد.

يقول -وفقه الله تعالى- في معرض بيانه لمنهجه في ميله إلى إيراد الشعر في كتابه، والاستعانة به في مواعظه: (وليس أدل على أهمية الشعر في نصر العقائد وترويجها ما كان له من دور في إسعاف أهل البدع وترويجها لدى العوام، مضادة لمساعي ابن تيمية وتلامذته عندما انبروا لتفنيدها ودمغها بحجج السنة الغراء.

قال محمد إقبال: "ولا ريب أن منطق ابن تيمية القوى أثر أثره، ولكن جفاف المنطق لا يقوى على مقاومة نضرة الشعر وفتنته".

وهو كما قال، فإن الذي قلل من سريان كلام ابن تيمية في أوساط العامة هو ما كان عليه أئمة الضلالة الداعين إلى البدع من روعة البيان، ورقة الشعر، وتمكنهم فيه، حتى سحروا قلوب الناس بشعرهم من حيث لا يشعرون، ولم يتهيأ لابن تيمية شاعر مبدع يسانده ). اهـ

أجد نفسي الآن مرتاحًا؛ إذ أرى أن هدفي من الموضوع أصبح واضحًا ظاهرًا كما قيل: كصفحة الكف حين بسطها.

الرواية.. الشعر العامي.. الإعلام (صحافة، فضائيات، صناعة السينما.. ونحوها)، هذه أمثلة لوسائلَ تؤدي لأعدائنا في هذا العصر، دور الشعر الفصيح للأعداء في عصر ابن تيمية -رحمه الله تعالى-؛ في سريانها في أوساط العامّة، وأهميتها في ترويج الأفكار -مهما كانت- بينهم.

بالنسبة للرواية فلا عطر بعد عروس، لا أكتب عن هذا الموضوع لأن الفاضل صخرة الخلاص لم يقصر في هذا الجانب، تضيع أسطري عند أسطر هؤلاء.. ولا قِياس، إليكم رابط مقاله الرائع:

شيفرة دافنشي .. والسحر الإسلامي المفقود !

بالنسبة للشعر العامي، فقد دهشت حقا حين علمت من أحد المتابعين للحراك الثقافي الذي يقوم به المفسدين في مجتمعنا؛ أنهم متجهون لاستغلال كل ما يتصل بأكبر شريحة من الجمهور، فتراهم قد اتجهوا إلى الشعر العامي، والذي له شعبية جارفة بين عامة الناس كما تعلمون، ويكمن خطر استغلاله من هؤلاء أن هذا الشعر العامي الشعبي يتوجه بخطابه إلى الناس بصورة عامة وليس للنخبة منهم، وبذلك يصـل صوتهـم -المشتمل على معانٍ تنافي ثوابتنا الدينية والأخلاقية- إلى شريحة لا يستهان بها، خصوصا إذا استُغل عدد من الشعراء المشهورين -والذين لا يهمهم إلا المال والشهرة- ومن لهم شريحة واسعة من الجمهور، سينجحون بذلك -ولاشك- ما لم يتدارك أهل الفضيلة الوضع بالطرق المناسبة.

وبالنسبة للإعلام، فهذا بحرٌ مترامي الأطراف، صعبٌ أن أجمع البحر في قطرة، ولعلنا أصبحنا أكثر وعيًا لأهمية الجانب الإعلامي في هذا الوقت.

وصلى الله على الحبيب وسلم.

0 تركوا أثرا:

إرسال تعليق